حقًّا التوبة ليست بالأمر السهل، خاصة عند مَن اعتاد المعصية وألفها، وصارت جزءًا من نفسه وشخصيته، يداوم عليها، ويحافظ عليها، حيثما سار ذكَّرته الطرق والمباني بما كان، فيتذكر راغبًا لا نادمًا، ويعيد عليه الشيطان ويوسوس له ويهيِّج فيه ذكريات الأمس، أو يحذِّره من فضيحة تأتي من رفقاء السوء، فيداوم في العيش معهم،... وهكذا.
ولقد عبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر بقوله: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا لاَ يَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كَالْكُوزِ مُخْجِيًّا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاه.
ومفهوم هذا القول النبوي الصادق المعصوم أن الإنسان له مع المعصية طريقان؛ الأول: طريق القبول والتكرار حتى تسكن المعصية في قلبه، ويسكن القلب إليها، ويصير القلب كالمحبوس لهذه المعصية بسبب التكرار، وكلما تكرر الأمر نكت في القلب نكتة سوداء وهي علامة السخط، أمَّا مَن يرفض المعصية فيكون في القلب نكتة بيضاء وهي علامة الرضا، ومع التكرار يصير لكل قلب خصائصه.
القلب الرافض للمعصية، أو سريع التوبة منها إذا ارتكبها، يصير قلبه أبيض أملس ليس فيه إلا الخير، وقلب آخر أسود من شدة المعاصي وحرصه عليها، وشبَّه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القلب بكوب منكوس فلا ينتفع به، فهو لا يعرف المعروف فيتبعه، ولا ينكر المنكر فيعرض عنه، ليس إلا ما هواه وعاش به.
ومن هنا كانت التوبة من أصعب ما يكون على الإنسان الذي يغفل عن يوم الحساب.. انظر إلى إخوة يوسف -عليه السلام- بعد أن ألقوة في البئر وجاءوا على قميصه بدم كذب، ومرت سنوات طوال صار فيها سيدنا يوسف عزيز مصر، وحين وَضع صواع الملك في رحل أخيه قالوا: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77]. ولم يتوبوا إلى الله ويندموا على ما كان منهم إلا بعد أن فضح أمرهم، ورأوا ما أصبح عليه يوسف -عليه السلام- من تمكين الله عز وجل.
تذكرت هذا كله وأنا أرى أركان النظام البائد في مصر من ضباط أمن الدولة السابقين وما فعلوه من جرائم، والمخبرين المتستِّرين على البلطجية، وسارقي أموال الفقراء والمساكين وهذا الشعب المصري المسكين؛ ناهبي أموال البنوك، سارقي الأراضي، قاتلي الناس.
ليس فقط لم يتوبوا، بل إن ما استقر في قلوبهم من باطل وفساد يطل بين الحين والآخر، وهذا ما رأيناه في الأيام القليلة الماضية.
أَمَا نجد فيهم رشيدًا عاقلاً يسارع بالتوبة قبل الموت؟!! لا تتعجب؛ فالأمر ليس سهلاً إلا على مَن أراد الله به خيرًا؛ لذا كان هذا العنوان.
اللهم احفظ مصر وأهلها من المفسدين مرة، ومن مدمني الفساد ألف مرة.
وأنا أزيد الدعاء بأن يحفظ جميع أوطان المسلمين من كل المفسدين الضالين .
آمين
صديق الليل
تاريخ التسجيل : 23/09/2012
موضوع: رد: ما أصعب التوبة 23.09.12 23:57
وروعه مانثرت .. وجماليه طرحك .. دائما متميز في الانتقاء سلمت على روعه طرحك نترقب المزيد من جديدك الرائع دمت ودام لنا روعه مواضيعك