بعد أن تم فتح
مدينة (اسطنبول) ، وضع السلطان (محمد الفاتح) تعليمات معينة حول القلاع ،
والأسوار المحيطة بالمدينة ، ومن هذه التعليمات ، أوامر مشددة على وجوب سد
وغلق جميع أبواب أسوار هذه القلاع بعد أذان المغرب ، وتبقي هذه الأبواب
مغلقة حتى أذان الفجر. وعينت مفارز عديدة على هذه القلاع ، لتطبيق هذه
الأوامر ، وذلك لدواعي الأمن ، وبذلك كان يمنع أي شخص من دخول المدينة ، أو
الخروج منها ضمن هذه الفترة.
كان (سنان جلبي باشا) على رأس إحدى هذه المفارز في القلعة الموجودة في منطقة (أون قباني).
في أحد الأيام ، والسلطان (محمد الفاتح) مع كوكبة من حرسه خارج أسوار مدينة
(اسطنبول) ، وتأخر في الرجوع إلى المدينة ، إذ عندما وصل إلى باب السور
منطقة (أون قباني) رأى أن الباب مغلق ، إذ كان أذان المغرب قد أذن قبل مدة.
صاح أحد حراس السلطان : سنان باشا … سنان باشا … افتح الباب.
قام (سنان باشا) من مكانه ، وتطلع إلى تحت … لم يستطع أن يتعرف على أحد ، فقد كان الظلام مخيماً … نزل إلى تحت وصاح من خلف السور :
- من أنتم ؟
قال السلطان (محمد الفاتح) : افتح الباب (يا سنان جلبي).
- من أنتم ؟ ولماذا تأخرتم حتى الآن ؟
لم يستطع أن يميز صوت السلطان ، ولم يكن السلطان يعلن عن هويته.
قال السلطان : لا تسأل من نحن … افتح الباب.
احتد ( سنان باشا) : كيف لا أسألكم ؟ ألم تسمعوا بأمر السلطان ؟ كيف أستطيع
أن أفتح باب القلعة في هذه الساعة المتأخرة ؟ اذهبوا من هنا ، أو انتظروا
حتى أذان الفجر … لا أستطيع مخالفة أمر السلطان ، أم تريدون أن أسمع منه
تقريعاً بسببكم ؟
ضحك السلطان : كلا (يا سنان جلبي) … لن تسمع تقريعاً من السلطان … إنني أتكفل بهذا لك.
- لكن من أنت حتى تستطيع أن تكفلني لدى السلطان ؟ أم تحسب نفسك سلطاناً ؟
- أنا السلطان يا (سنان جلبي) … ألم تعرفني ؟
فوجئ (سنان باشا) عند سماعه هذا ، وأسرع بفتح الباب وهو يدمدم :
- أعذرني يا مولاي … لم أعرفكم … لم أكن أتوقع أن تخالفوا التعليمات التي وضعتموها بأنفسكم يا مولاي.
دخل السلطان من باب السور ، ثم ترجل عن جواده ووضع يده على كتف (سنان باشا) وقال له :
- أنت عسكري جيد يا (سنان باشا) … لقد سررت جداً من التزامك بتعليماتي ، لذا فتمن منى ما تشاء.
ذهل (سنان باشا) من كلام السلطان ، فها هي كل الأبواب مفتوحة أمامه..
يستطيع أن يطلب أي مبلغ ، وأي منصب … كان السلطان ينظر إليه مبتسماً ،
منتظراً الجواب منه … لم يتردد (سنان باشا) طويلاً … كلا لن يطلب من
السلطان لا مالاً ولا جاهاً سيطلب منه تحقيق أمله الذي كان يحلم به منذ
سنوات :
- ابن لي يا سلطاني جامعاً باسمي … لا أريد منك شيئاً آخر … جامعاً بأسمي.
قبل السلطان هذا الرجاء ، وأمر ببناء جامع باسمه.
فإذا قدر لك أن تزور (اسطنبول) فاسأل عن (جامع سنان باشا) وزر هذا الجامع
التاريخي الجميل ، فقد عرفت قصة بنائه ، وبعد انتهاء صلاتك ، ادع لروح
(سنان باشا).